أينما نظرنا إلى جوانب الرعاية الصحية في عام 2023، سنجد تقنية جديدة متطورة وثورية تقتحم هذا العالم وتنقلنا نقلة نوعية نحو مستقبل صحي أفضل، والهدف واحد وهو مكافحة الأمراض والأوبئة، وتطوير لقاحات وعقاقير طبية، وتوفير بيئة صحية يحيا بها الناس دون ألم.
على مدار العامين الماضيين، انتفضت الكثير من شركات التكنولوجيا حول العالم لتطبيق خبراتها البرمجية في حل المشاكل التي تواجه مؤسسات الرعاية الصحية بفعل الوباء العالمي، وباء COVID-19، من خلال اعتماد خدمات تقنية معلومات الرعاية الصحية.
على الجانب الآخر كانت المؤسسات الصحية متيقظة لهذا الأمر ورحّبت بفكرة تطبيق هذه التقنيات في عملياتها الروتينية وأدق تفاصيل الرعاية الصحية والخدمات والمنتجات التي تتيحها لمرضاها حول العالم استجابةً للمعطيات الجديدة التي فرضها وباء الكورونا.
اليوم في مقالنا هذا سنناقش أهم 5 مسارات اعتمدتها مراكز الرعاية الصحية حول العالم في استراتيجياتها، وكيف استغلت كل مسار في تطوير خدمات الرعاية الصحية في المجال الطبي.
ما هي أهم مسارات الرعاية الصحية التقنية لهذا العام؟
من الواضح أن الوباء ساهم بشكل كبير في رقمنة مجال الرعاية الصحية، وهذا ما أفادنا به تقرير HIMSS Future of Healthcare Report، إذ يخطط ما يقارب 80% من مقدمي الرعاية الصحية إلى الاستثمار في التكنولوجيا والحلول الرقمية على مدار الخمس سنوات المقبلة.
إقرأ أيضا:علاج عرق النساوتَعِدُنا تكنولوجيا الرعاية الصحية في رؤية نمو واضح ومهول في المجالات التالية، مثل:
- التطبيب عن بعد (telemedicine).
- الطب الشخصي (personalized medicine).
- علوم الجينات (genomics).
- الأجهزة القابلة للارتداء (wearables).
- تطبيقات الذكاء الاصطناعي (organizers leveraging artificial intelligence).
- الحوسبة السحابية (cloud computing).
- الواقع الموسع (XR – extender reality).
- إنترنت الأشياء (IoT).
إليكَ الآن تنبؤاتنا لأفضل 5 مسارات ستعصف في عام 2023 وتقلب الموازين في مجال الرعاية الصحية:
1- الرعاية الصحية والتطبيب عن بعد
ارتفعت خلال الأشهر الأولى من الوباء نسبة الاستشارات الافتراضية الطبية عن بعد، وهذا ما سجلته الكثير من الأنظمة الطبية حول العالم بسبب فرض الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، لكن ومع انخفاض معدل انتشار الوباء وتلقي اللقاح المطلوب فإن الاستشارات الافتراضية لم تتوقف بل استمرت، وهذا خبر جيد لا محالة!
لكن إذا ما استبعدنا فكرة وجود أمراض معدية هي التي دفعت بتطبيق الاستشارات الطبية عن بعد، فإننا نجد أنفسنا أمام كمّ كبير من الأسباب التي تدفع كذلك المرضى والأطباء إلى اعتماد العلاج عن بعد.
إقرأ أيضا:اعراض نقص فيتامين b12مثلًا في المناطق النائية والأماكن التي يوجد بها نقص في الكادر الطبي كالصين والهند، فإن هذا المسار لديه القدرة على إنقاذ كثير من الأرواح من خلال توسيع نطاق الوصول إلى العلاج الطبي بشكل كبير.
كيف نحقق أقصى فائدة من الطب عن بعد؟
يتم تجهيز الجيل الجديد والأحدث من الأجهزة القابلة للارتداء، والتي تساعد الأطباء في ترقّب حالات مرضاهم عن كثب، مثل كشف معدل ضربات القلب والضغط والأكسجين في الدم، وبالتالي يمكنهم مراقبة العلامات الحيوية أول بأول على مرضاهم.
وشهدنا في فترة الوباء إنشاء “أجنحة مستشفيات افتراضية” حيث يتم استخدام البنية التحتية للاتصالات المركزية للإشراف على علاج العديد من المرضى وهم في منازلهم. ويمكن رؤية هذا التطبيق الثوري في “ER Virtual” التجريبي وهو قيد التطوير في مركز بنسلفانيا لطب الطوارئ.
شهدنا في عام 2022 طرق تم تطويرها أثناء الوباء للتعامل مع المرضى بأمان وعن بعد لتشمل مجالات أخرى من الرعاية الصحية، مثل الطب النفسي، وتوفير رعاية صحية للمرضى الذين يتعافون من العمليات الجراحية والأمراض الخطيرة دون الحاجة لزيارات متكررة إلى عيادات الأطباء.
تُعد الروبوتات (Robots) وإنترنت الأشياء (IOT) جزءًا لا يتجزأ من هذا المسار، إذ ستتولى التكنولوجيا الذكية التي تعتمد على تعلم الآلة مهمة تنبيه مقدمي الرعاية الصحية بوجود خطب ما عندما تكتشف المستشعرات أن هناك حاجة إلى التدخل الطبي أو عندما تكتشف الكاميرات أن شخصًا مسنًا مثلا قد تعرض لحادث أليم في منزله.
إقرأ أيضا:علاج ضعف القدرة لدى الرجالمن القدرات العظيمة التي يقدمها لنا الطب عن بعد هو تقديم الخدمات الصحية المتطورة إلى سكان العالم النائي، وهو المكان الذي لا يحصل فيه نصف سكان العالم تقريبًا على الخدمات الصحية الأساسية، وفقًا لما ورد في تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية (WHO).
لكن لا ننكر أنه ولحدّ الآن يوجد شريحة من الناس لم تكسب الثقة الكاملة بالطب عن بعد، لأنها على حدّ تعبيرها تثق أكثر بضرورة رؤية الطبيب على أرض الواقع والتفاعل معه للاطمئنان أكثر على صحتها، وهنا تأتي مهمة مقدمي الخدمات الصحية في مراعاة هذا الجانب في مؤسساتهم الصحية.
2- الواقع الموسّع للتدريب والعلاج السريري
مصطلح Extended reality ويُرمز له اختصارًا XR هو مصطلح شامل يعبّر عن الواقع الافتراضي (VR) المُحاكي للعالم الواقعي والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR).
تضع هذه التقنية الثورية بين أيدينا عدسات وسماعات رأس تنقلنا من عالمنا الواقعي إلى عالم افتراضي، علمًا أن هذه التقنية كانت منذ عقود مجرد فانتازيا تتبادر إلى أذهان العباقرة، لكن الآن أصبحت حقيقة وتُستخدم في أعظم مجال إنساني على وجه الأرض وهو المجال الصحي.
غيّرت هذه التقنية تصورنا للعالم لأنها وضعتنا في بيئات افتراضية لا تقل أهمية عن البيئات الواقعية، بل أثبتت أنها أفضل بكثير بتركيب عناصر افتراضية على صور بشكل آني للعالم من حولنا بشكل افتراضي.
كيف تُستخدم سماعات الرأس في المجال الطبي؟
تُستخدم سماعات الرأس VR لتدريب الأطباء والجرّاحين، مما يتيح لهم التعرّف عن كثب على طريقة عمل جسم الإنسان دون تعريض المرضى للخطر، أو الحاجة إلى التماس المباشر مع الجثث.
كما يُستخدم الواقع الافتراضي لأغراض أخرى تتعلق بتدريب الأطفال الذين يعانون من التوحد على المهارات الاجتماعية والتأقلم مع العالم المحيط، وتسهيل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) للمساعدة في الحدّ من الألم المزمن والقلق والفصام، إذ طُوّرت العلاجات التي تهدف إلى السماح للمصابين بالتغلب على مخاوفهم في بيئات آمنة وغير مهدّدة.
من التطبيقات الطبية التي نمت في عام 2023 هي تصميم نظام AccuVein الذي يسهّل على الأطباء والممرضات تحديد موقع الأوردة عندما يحتاجون إلى إعطاء حقن عن طريق الكشف عن مكان تدفق الدم وتظليله على ذراع المريض.
يُستخدم نظام HoloLens من Microsoft في العمليات الجراحية، حيث يتيح للجراح تلقي معلومات أول بأول حول ما يراه، بالإضافة إلى مشاركة آرائه مع متخصصين آخرين أو طلاب الطب المتدربين.
توجد أيضًا تطبيقات صحية للواقع المعزز للأشخاص غير المتخصصين في المجال الطبي، مثل الطبقة الجغرافية AED4EU، والتي توفر مسارات آنية لأقرب وحدة مزيل رجفان آلية يمكن الوصول إليها بالعموم.
3- فهم البيانات الطبية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة
إن الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة سواء في المجال الصحي أو المجالات الأخرى يساعد في فهم طلاسم البيانات الضخمة التي تتسم بالفوضوية وتفتقر إلى الهيكلية التي تسمح بتحليلها وتنظيمها.
وتشمل هذه البيانات مثلًا بيانات الصور الطبية / الأشعة السينية، والتصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالرنين المغناطيسي، وغيرها الكثير، بما في ذلك معلومات عن انتشار الأمراض المعدية مثل الكورونا، ونشر اللقاحات، والبيانات الجينية الناتجة عن الخلايا الحية، وملاحظات الأطباء المدوّنة بخط اليد.
كيف يتم تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في الطب؟ وما هي أكثر المجالات الطبية التي اعتمدت هذا المسار؟
أكثر المسارات الطبية القائمة على مجال الذكاء الاصطناعي شيوعًا هي تلك المتعلقة في الطب البشري، بهدف زيادة مهارات أطباء الطب البشري وكل المساعدين العاملين في هذا المجال.
يتم دعم الجراحين الذين يستخدمون الواقع المعزز برؤية الكمبيوتر، وهي عبارة عن كاميرات يمكنها التعرف على ما تلتقطه وترحيل المعلومات التي تتضمنها تلك الصور وتحليلها وتفسيرها على شكل بيانات.
أيضًا يتم أتمتة الاتصال الأول مع المريض والفرز من أجل توفير وقت الأطباء لزيادة كفاءة العمل. كما يستخدم مقدمو الخدمات الصحية عن بُعد روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي تمتلك القدرة على معالجة اللغة الطبيعية، إذ تجمع الروبوتات المعلومات حول أعراض المرض من المريض، والاستفسارات المباشرة الموجّهة من المرضى إلى المتخصصين.
ماذا عن الطب الوقائي؟
الطب الوقائي هو مجال آخر للرعاية الصحية، ومن المحتّم أن يتأثر بشدّة بالذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة التي تلي عام 2023.
إذ يعتمد الطب الوقائي على التنبؤ بمكان وزمان وقوع المرض، ووضع الحلول قبل حدوثه، بدلاً من الاستجابة للمرض من خلال توفير العلاجات عقب وقوعه.
يمكن أن يشمل ذلك التنبؤ ما يلي:
- التنبؤ بمكان تفشي الأمراض المعدية.
- التنبؤ بمعدلات إعادة القبول في المستشفى.
- التنبؤ بالمشاكل الصحية ضمن مجموعات سكانية أو مناطق جغرافية معينة.
ملاحظة: من المحتمل أن تؤدي عوامل أسلوب الحياة المتبع، مثل النظام الغذائي، والتمارين الرياضية، والبيئة، إلى مشاكل صحية في مناطق جغرافية معينة على الكوكب، مثل إدمان المخدرات أو حالات الانتحار.
وإذا ما قارنا الذكاء الاصطناعي مع التحليلات التقليدية التي كان يجريها الباحثون على بقع جغرافية معينة، فسنجد أن البيانات الضخمة التي تُجمع عن هذا المكان الجغرافي وتحليلها بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي تمنحنا تنبؤات دقيقة ومخيفة حول ما يمكن أن يجري في هذا العالم مستقبلًا حتى قبل وقوعه.
4- التوائم الرقمية والمحاكاة
لم يشيع استخدام التوائم الرقمية في المجال الصحي فحسب، بل في كثير من المجالات حول العالم. تقوم التوائم الرقمية على إنشاء نماذج بيانات على ضوء بيانات العالم الحقيقية، أيّ مُحاكية لها.
مثلًا لدينا فكرة المريض الافتراضي الذي يُستخدم لتجربة الأدوية والعلاجات غير مضمونة أو معروفة النتائج بعد، بهدف تقليل الوقت الذي يستغرقه الحصول على الأدوية الجديدة من مرحلة التصميم والإنتاج إلى الاستخدام العام في الصيدليات والمراكز الطبية.
قد يقتصر هذا النظام على محاكاة أعضاء معينة فقط من الجسم أو حالات فردية، لكن سيشهد هذا المجال نموًا كبيرًا في محاكاة جسم الإنسان ككل.
ما الهدف من استخدام التوائم الرقمية في المجال الطبي؟
- استكشاف الأطباء أمراض مختلفة.
- تجربة العلاجات على كائنات افتراضية.
- عدم المخاطرة بإلحاق الأذى بالمرضى الحقيقيين.
- تقليل الحاجة إلى إجراء تجارب على البشر، أو على حيوانات باهظة الثمن ومهددة بالانقراض.
ما هي أهم مشاريع التوائم الرقمية التي أُطلقت حتى الآن؟
- مشروع Living Heart Project: أُطلق عام 2014 ويهدف إلى إنشاء توأم رقمي مفتوح المصدر لقلب الإنسان.
- مشروع Neurotwin: تابع للاتحاد الأوروبي ويهدف إلى مراقبة تفاعل المجالات الكهربائية في الدماغ، ويسعى إلى إيجاد علاج جديد لمرض الزهايمر.
5- الطب الشخصي وعلم الجينات
في قديم الزمان، أُنشأت الأدوية والعقاقير الطبية لتناسب الجميع، وليس الحالات الفردية، ومع التقدم والتطور تم إجراء الكثير من التجارب لتحسين فاعلية الأدوية مع أكبر عدد من المرضى الذي يعانون من أقل عدد من الآثار الجانبية الضارة.
لكن تتيح التكنولوجيا الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وعلوم الجينات، والتوائم الرقمية اتباع نهج متخصص يرقى لمستوى علاج الحالات الفردية، كل حالة على حِدى دون تعميم.
يستخدم مثلًا مركز إمبا Empa المتخصص في تقديم الرعاية الصحية في السويد الذكاء الاصطناعي والبرمجيات التي تمنح الأطباء تنبؤات دقيقة بالجرعة الواجب تعاطيها لمسكنات الآلام للحالات الفردية، بما فيها المواد الأفيونية الصناعية مثل الفنتانيل.
وهناك احتمالية أن تكون هذه الأدوية فعّالة حقًا وتغيّر حياة المرضى الذين يعانون من آلام مزمنة، وهذه الأدوية يمكن أن تصبح خطيرة فعلًا عند تناول جرعات كبيرة منها بشكل مفرط، وعلى رأسها مسكنات الألم.
مثال آخر عن التعاون الذي قام بين شركة الأدوية Novo Nordisk وشركة الصحة الرقمية Glooko في إنشاء أدوات متخصصة لمراقبة مرضى السكري، والتي اعتمدت في تقاريرها على تقديم تعليمات لمرضى السكري بناءً على نسبة السكر في دمهم، مثل التوصية في اعتماد نظام غذائي معين وممارسة الرياضة.
كيف استخدم علم الجينات التكنولوجيا الحديثة؟
استخدم علم دراسة الجينات التكنولوجيا الحديثة مؤخرًا لرسم الخريطة الجينية الفردية، والتي تتمثّل في رسم بنية الحمض النووي للكائن الحي الواحد، وهي تقنية مفيدة للغاية في ابتكارات الطب الشخصي المستقبلية.
يساهم هذا الاستخدام للتكنولوجيا وتوظيفها في علم على هذا القدر من الأهمية إلى ابتكار علاجات جديدة للأمراض الخطيرة، مثل السرطان، والتهاب المفاصل، ومرض الزهايمر.
أما علم المورثات الغذائية فهو مجال فرعي لعلم دراسة الجينات، إذ يمكن أيضًا أن يعدنا عام 2022 باستثمارات كبيرة في هذا المجال، ويتضمن تصميم خطط نظام غذائي مفصلة ترتكز على الصحة استنادًا إلى عوامل وراثية مختلفة.
لخّصنا في هذا المقال أهم التقنيات الثورية في التكنولوجيا الذكية والتي سيُفاجئنا بها عام 2022 وستسعد بها مؤسسات الرعاية الصحية حول العالم والتي بدأت لتوّها بتطبيق الكم الأكبر من كل ما ذُكر أعلاه.